سورة العنكبوت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)}
قوله تعالى: {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} يعني السفن وخافوا الغرق {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي صادقين في نياتهم، وتركوا عبادة الأصنام ودعاءها. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ}
أي يدعون معه غيره، وما ينزل به سلطانا.
وقيل: إشراكهم أن يقول قائلهم لولا الله والرئيس أو الملاح لغرقنا، فيجعلون ما فعل الله لهم من النجاة قسمة بين الله وبين خلقه. قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا} قيل: هما لام كي أي لكي يكفروا ولكي يتمتعوا.
وقيل: {إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} ليكون ثمرة شركهم أن يجحدوا نعم الله ويتمتعوا بالدنيا.
وقيل: هما لام أمر معناه التهديد والوعيد. أي أكفروا بما أعطيناكم من النعمة والنجاة من البحر وتمتعوا. ودليل هذا قراءة أبى {وتمتعوا} ابن الأنباري: ويقوي هذا قراءة الأعمش ونافع وحمزة: {وليتمتعوا} بجزم اللام. النحاس: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} لام كي، ويجوز أن تكون لام أمر، لان أصل لام الامر الكسر، إلا أنه أمر فيه معنى التهديد. ومن قرأ: {وليتمتعوا} بإسكان اللام لم يجعلها لام كي، لان لام كي لا يجوز إسكانها وهي قراءة ابن كثير والمسيبي وقالون عن نافع، وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم الباقون بكسر اللام. وقرأ أبو العالية: {ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} تهديد ووعيد.


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً} قال عبد الرحمن بن زيد: هي مكة وهم قريش أمنهم الله تعالى فيها. {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} قال الضحاك: يقتل بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا. والخطف الأخذ بسرعة. وقد مضى في {القصص} وغيرها. فأذكرهم الله عز وجل هذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة. أي جعلت لهم حرما أمنا أمنوا فيه من السبي والغارة والقتل، وخلصتهم في البر كما خلصتهم في البحر، فصاروا يشركون في البر ولا يشركون في البحر. فهذا تعجب من تناقض أحوالهم. {أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ} قال قتادة: أفبالشرك. وقال. يحيى بن سلام: أفبإبليس. {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} قال ابن عباس: أفبعافية الله.
وقال ابن شجرة: أفبعطاء الله وإحسانه.
وقال ابن سلام: أفبما جاء به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الهدى.
وحكى النقاش: أفبإطعامهم من جوع، وأمنهم من خوف يكفرون. وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الاستفهام. قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} أي لا أحد أظلم ممن جعل مع الله شريكا وولدا، وإذا فعل فاحشة قال: {وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها}. {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ} قال يحيى بن سلام: بالقرآن وقال السدي بالتوحيد.
وقال ابن شجرة: بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكل قول يتناول القولين. {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} أي مستقر. وهو استفهام تقرير.


{وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا} أي جاهدوا الكفار فينا. أي في طلب مرضاتنا.
وقال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال. قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته. قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد.
وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم» ونزع بعض العلماء إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}.
وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، ولو عملنا ببعض ما علمنا لاورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}.
وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وعظمه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر.
وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين واهل الثغور فإن الله تعالى يقول: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ} وقال الضحاك: معنى الآية، والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبات على الايمان. ثم قال: مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى، من دخل الجنة في العقبى سلم، كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم.
وقال عبد الله بن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال. ونحوه قول عبد الله بن الزبير قال: تقول الحكمة من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين: أن يعمل بأحسن ما يعلمه، ويجتنب أسوأ ما يعلمه.
وقال الحسن بن الفضل: فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} أي طريق الجنة، قاله السدي. النقاش: يوفقهم لدين الحق.
وقال يوسف بن أسباط: المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} لام تأكيد ودخلت في {مَعَ} على أحد وجهين: أن يكون اسما ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء، أو حرفا فتدخل عليها، لان فيها معنى الاستقرار، كما تقول إن زيدا لفي الدار. و{مَعَ} إذا سكنت فهي حرف لا غير. وإذا فتحت جاز أن تكون اسما وأن تكون حرفا. والأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى. وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في البقرة وغيرها. وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة، والحفظ والهداية، ومع الجميع بالإحاطة والقدرة. فبين المعينين بون. تمت سورة العنكبوت.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9